الجامعة الأردنية والبحث عن التميّز

د. عمر الحضرمي

ما أن تجلس إلى الأستاذ رئيس الجامعة الأردنية في أيّة مناسبة، إلا وتحس أن الرجل يجول بين الكلمات والأفكار يحاول أن يأتي بما يستوعب حجم العمل والأمل اللذين يسعى إلى امتلاكهما وتحقيقهما. وما أن تلتقي بواحد من نوّابه أو عمدائه إلا وتشعر أن هناك تصميماً غير مسبوق على نقل الجامعة من مراكز صفوف الدرجة العاديّة إلى " المطارح " التي تسكنها الجامعات العريقة في العالم، دون أن يعتمد أي منهم على التحرك الساكن داخل إطارات التطوير والتحديث، بل نجد أنهم يريدون، بدعم مباشر ومتواصل من الرئيس، إن يطرحوا المبادرات ويعملوا على الابتكار، مع الحرص على الإطّلاع على التجارب العالمية والإفادة منها، بل ومحاولة مسابقتها أحياناً.
وبالرغم من وجود بعض حالات التعثر والاعتوار هنا وهناك، إلا أنك سرعان ما تدرك أن هناك مفهوماً جديداً لمعنى " الجامعة " في الرؤية الجاري تكوينها داخل " الأردنية "، فهناك مساعي حثيثة لتحويل قاعات التدريس والمساقات إلى مختبرات لإنتاج " الإنسان " المثقّف من جهة، والداخل في عمليات بناء " الدولة " من جهة ثانية. وقد انعكس ذلك على الطلب المتواصل الى هيئات التدريس بضرورة إعادة صياغة المناهج والمواد، بشكل جذري، بحيث تتناسب والمفهوم الجديد لمعنى " الجامعة "، والارتحال بها من مراكز تعليمية إلى معامل بناء للمواطن.
أسوق هذا بعد أن طلب مني الأستاذ العميد زيد عيادات أن أحضر نيابة عنه مجلس الجامعة الأخير، حيث سمعت كلاماً من الأستاذ الرئيس كان يفيض بكل معاني تحمل المسؤولية القائمة على مذهب التشارك في عملية الصياغة. كان حديثاً فيه من مستلزمات الديمقراطية والالتزام ما فيه. وكان ابتعاداً واضحاً عن معطيات التفرد بالقرار أو الذّاتيّة في اتخاذ الخطوات. كان فيما قاله الأستاذ الرئيس كل معاني الاهتمام بسمعة الجامعة وبالعمل الجاد للوصول إلى المراتب العليا من الانجاز والتغيير، والذهاب بكل صدقيّة إلى أماكن الاعتبار والتقدير الوطني والعالمي. سمعت من الرئيس تقريراً فيه من التفصيل والدّقة ما يدل على الإحاطة الكاملة بكل الأجزاء التي أصبحت محفوظة عن ظهر قلب من قِبَلِه.
أما المناسبة الثانية فقد تمثّلت في ذلك الحديث الدافئ والمسؤول الذي قاله الأستاذ الرئيس أثناء افتتاح المقر الجديد لكلية الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للدراسات الدولية. وقد وافق ذلك ما قاله الأستاذ الدكتور العميد زيد عيادات الذي شرح تفاصيل الخطة الجديدة للكلية والقائمة أصلاً على الوصول إلى العالمية، سواء ما كان من بناء العلاقات مع جامعات مرموقة، أم ما كان صادراً عن تثبيت منهجية التبادل على مستوى الطلبة والأساتذة مع هذه الجامعات التي غطّت كثيراً من المواقع في الشرق وفي الغرب.
وكنتَ تَحُس في كلمات الأستاذين من التوجّه الصادق نحو التحديث وبناء حالة متطورة في مفاهيم الإنتاج العلمي تمثل في التقدم من قبل الأستاذ العميد واثنين من رفاقه إلى طلب الترقية بعد أن حققوا الشروط المطلوبة، وذلك في فترة وجيزة لا تتجاوز الشهرين أو الثلاثة، في تدافع مبارك لتحقيق الكفاية والتميّز، ناهيك عما قيل عن الكثير عن المستقبل، وعما يمكن أن تقوم به الجامعة والكلية. وأن هذا ما يجب أن تقوم عليه فلسفة التعليم العالي في الأردن على المدى البعيد.
الجامعة الأردنية برئيسها ونوابه والأساتذة العمداء ورؤساء الأقسام والهيئات التدريسية تعيش حراكاً يبشر بالخير، ويقود حتماً إلى التحول الأكيد نحو بناء "الجامعة" على أسس من تحقيق الاقتدار القائم على الإحساس بالمسؤولية حيال الأجيال القادمة وحيال الدولة، وحيال بناء التواصل بين الجامعة والمجتمع. وأنا أبشركم بأنه لن يطول انتظاركم كثيراً، حتى تروا "الأردنية" وقد اصطفّت بين المتقدمات الأوائل من أقرانها في الدول المتقدمة.